هينوك ملكامزر: رموز وصور الطلسم
إليزابيث دبليو جيورجيس
يلقى الفن الطلسمي، بتفرده وتقنياته وأساليبه الرسمية المبتكرة، الثناء والإعجاب ليس فقط في أثيوبيا، بل على الصعيد الدولي أيضاً، فخطوطه الشائكة والمحكمة التي تتخذ من ورق الرقّ مجالها الحيوي، تضفي رموزاً تعبيرية مبهرة على هذا الشكل من الفن. ومع ذلك، تظل التصنيفات الغربية التقليدية تُقيّد قيمته وإسهاماته، وتحصره ضمن نطاقات روحانية محدودة، وبالتالي يواصل النقد الحديث في هذا السياق، تقديم تصنيف محدود لهذا الفن، معتبراً خطوطه وأشكاله الشائكة وألوانه الغنية وتكويناته المتداخلة مجرد تمظهرات لا تنتمي إلى الحداثة، ما يُقلل من إيحائه الفلسفي والأيديولوجي، ويطرح تحديات حول كيفية تقييم وفهم هذا الفن داخل الأطر النظرية الحديثة والمعاصرة.
في مقاربته لمعرض أُقيم في متحف الفن الأفريقي بنيويورك عام 1997 بعنوان "الفن الذي يشفي: الصورة كعلاج في إثيوبيا"، أثنى الناقد الفني هولاند كوتر في صحيفة "نيويورك تايمز" على جماليات الفن الطلسمي، ووصف اللوحات بأنها "ضربات بصرية قاضية"، كما تناول الخط الفاصل بين اللغات البصرية الحديثة والتاريخية لأشكال الفن الأوروبي وغير الغربي مثل الفن الطلسمي، مشيراً إلى أن الأخير غالباً ما ينظر إليه بوصفه شيئاً تاريخياً، ويوضع في سياقات أنثروبولوجية، رغم أنه جزء من المشهد الفني المعاصر.
شكّل الاختلاف الجوهري في كيفية نظر الدراسات التاريخية إلى الفن ركيزة معرض "مين نيبر" (ما الذي كان) لعام 2018، الذي قيّمته في متحف الفن الحديث:" مركز جبري كريستوس ديستا" بأديس أبابا، واستخدم العنوان أو السؤال "مين نيبر"، ما يعني بالعربية "ما الذي كان"، كنقطة انطلاق لاستعراض حصيف وفهم عميق ومدروس للفن الطلسمي الأثيوبي المسمى تقليدياً "فن التشافي" أو "اللفافة السحرية" أو "فن التمائم". يأتي هذا في سياق لم ينل فيه الفن الطلسمي حقه في البيئات التعليمية الفنية الحديثة والنظريات المعاصرة، على الرغم من أنه لا يزال يُمارس بطرق مبتكرة، ويحمل في طياته فلسفة نابهة ومفاهيم شائكة.
من خلال استعراض أعمال الفنان هينوك ملكامزر، سعى معرض "مين نيبر" إلى تقديم أساليب بديلة لمقاربة وتقييم الدراسات البصرية غير الغربية. وكان الهدف هو حثّ الجمهور على التفكير النقدي بشأن الأرشيفات والمصادر غير الغربية، لفهم إرث ثقافي وإبداعات فنية مؤثرة ومحددة، مثل الفن الطلسمي الذي لا يزال يُنتج في الوقت الراهن، لكنه يتعرض للتجاهل في الدراسات والتوثيقات الفنية المعاصرة. تحدّى المعرض النظرة الأحادية في فهم الحداثة الفنية، كاشفاً عن كيفية استمرار الفن الطلسمي في التأثير على المشهد الفني الحديث في أثيوبيا، وذلك بالتركيز على الروابط بين التقاليد القديمة الملهمة والتعبيرات الفنية المعاصرة.
بلا شك، يثير عرض أعمال فنية طلسمية في متحف معاصر تحديات وتعقيدات خاصة، لا سيما عندما تكون الأطر التاريخية والمعرفية لهذه المؤسسات التي غالباً ما تكون متشابكة مع نماذج للتمثيل تتسم بالهيمنة الثقافية. يستمد هذا المعرض فكرته من فلسفة أوكوي إينوزور حول فضاء العرض الذي كان يراه مساحة للحوار النقدي والتفاعلي، ويهدف - كما معرض "مين نيبر" السابق - إلى إعادة النظر في الروايات التقليدية التي تحيط بأشكال الفن غير الغربي مثل الفن الطلسمي.
بينما يقدمّ أكاديمي بوزن تيموثي ميتشل وجهة نظر تُظهر كيف تم تقديم تاريخ الغرب بطريقة تحتم على "التواريخ الأخرى إثبات أهميتها وتوضيح معناها". كما يضيء الأنثروبولوجي طلال أسد على أن "العديد من الأشياء التي يُعتقد أنها حديثة تنتمي إلى تقاليد لها جذور في التاريخ الغربي". تستدعي هذه التصورات نظرة نقدية دقيقة من جانبنا عند تناول مفهوم الحداثة والحداثوية، خصوصاً في ظل التعقيدات والتحديات التي تُرافق الجدل المعاصر في هذا السياق.
في سعيه لاستكشاف المساحة التي تعيد تشكيل العلاقات بين "الحديث" و"غير الحديث"، وبين "الحداثة" و"التقاليد"، يحفز معرض "هينوك ملكامزر: رموز وصور الطلسم" تفكيرنا النقدي بناءً على ما أشار إليه تيموثي ميتشل بالمشروع المهيمن للحداثة وكيفية تمثيله وتفعيله. من المؤكد أن الفهم الغائي لمصطلح "حديث"، سواء كفلسفة سياسية أو كاقتصاد للثقافة، قد تعرض للطعن والتحدي بطرق متعددة في النقاش الأكاديمي، لكن يبقى من الضروري التأكيد على أن في إثيوبيا، وفي بقاع أخرى من أفريقيا، تستمدّ تعقيدات المشروع الحداثي إلهامها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بعملية التحديث في سياقات التنمية.
ورغم أن المعايير السائدة وخطابات التحديث والتنمية غالباً ما تقلل من قيمة الأشكال التقليدية للمعرفة، مثل الفن الطلسمي، وتصفها بمصطلحات مثل "روحية" أو "أصلية" أو "غير علمية"، فإنني أعتبر الفن الطلسمي جزءاً لا يتجزأ من الحداثة التي نعيشها ولا ينبغي تهميشه. وعليه فإن معرض "هينوك ميلكامزر: رموز وصور الطلسم" لا يتأسس على مجرد مقارنة هذا الفن بالفن الأوروبي الحديث، بل يقدم تحدياً لتصوراتنا القائمة حول ما يُعتبر "حديثاً". يُظهر المعرض كيف يمكن للفن الطلسمي أن يكون معاصراً ويحمل في طياته ثراء ثقافياً وتطوراً بصرياً مُتجدداً.
غالباً ما تدمج عناصر تعكس ما هو خارق في الفنون البصرية غير الغربية تحت عنوان "الواقعية السحرية"، من أن يعطي الباحثون في العلوم الإنسانية أهمية كافية للتدخلات الحداثية الجوهرية للفن مثل حالة الفن الطلسمي. من الواضح أن هذه الأعمال الفنية الشائكة لا يمكن وصفها بشكل خالص على نحو تقابلي مثل "الواقع مقابل الخيال" أو في سياق التقاليد المندثرة، فهذه الأعمال الفنية ما زالت تُنتج في البيئات المعاصرة، وتُصوّر بشكل واضح تجارب ثقافية وسياسية واجتماعية محددة وراهنة بأبعاد عقلانية وأسطورية.
رغم اهتمام عشاق الفن الغربي بالفن الطلسمي منذ زمن، إلا أن الأنثروبولوجي الفرنسي جاك مرسييه ساهم بشكل لافت في إدراجه في منصات وأسواق الفن الغربي. إذ لقي معرضه "الفن الذي يشفي: الصورة كعلاج في إثيوبيا" سنة 1997، استحساناً كبيراً في أوساط النقاد الفنيين وقيمي المعارض وجامعي الأعمال الفنية في الغرب. تعاون مرسييه مع فنانين طلسميين مرموقين كجيديوون ميكونين (1939-1995)، وأصبحت أعمالهم اليوم جزءاً من مقتنيات جان بيجوزي للفن الإفريقي.
رغم أن معرض ميرسييه قدم نظرة شاملة على المفاهيم والمبادئ التي تشكّل أساس الممارسة الفنية الطلسمية، إلا أنه تجاهل في الوقت نفسه تاريخ أثيوبيا السياسي والثقافي والاجتماعي الأوسع، فهذا السياق ينطوي على دور كبير في توجيه وتحديد التعبيرالبصري، وتنوعه عبر مراحل مختلفة من التاريخ. وفي الوقت الذي يبين فيه معرضه بأن تاريخ الفن الطلسمي في أثيوبيا يمتد عبر حقب زمنية مُتعددة، إلا أنه يشير إلى أن الفن الطلسمي الأثيوبي يعدّ شكلاً غير تاريخي من الفن "الطلسماني"، ويرتبط بشكل واضح بأنماط وأشكال الفن "الطلسماني" الآخر في المنطقة وخارجها.
وأشار معرض ميرسييه إلى أن كلمة "طلسم" تعود في نشأتها إلى الزعيم الديني الفرنسي جوزيف سكاليجر (1540-1609) قائلاً: "نحن مدينون بكلمة (طلسم) إلى سكاليجر الذي صاغها حرفياً من صيغة الجمع للكلمة باللغة العربية وهي "طلاسم"، ثم اتبعت بمعناها في اللغتين الفرنسية واللاتينية، دلالة على الأشياء أو الأحجار المصممة خصيصاً لأغراض فلكية.
في هذا السياق، من المنطقي الإقرار أن تحليل الفن الطلسمي في معرض ميرسييه تأثر بتعريف سكاليجر، الذي وصف فن "الطلسم" بأنه "أشياء وأحجار مصممة لأغراض فلكية". وبالتالي، فإن الطريقة التي شكل بها العديد من القيمين والنقاد الأوروبيين معرفتهم بالطلسم كانت محكومة على نطاق واسع بأطر نشأت خارج المواقع المعرفية التي أنتج فيها هذا الشكل المعين من المعرفة.
من غير المنصف اختزال وصف الفن الطلسمي الأثيوبي على أنه مجرد "تميمة" أو "تعويذة"، لأنه يغفل الخصائص المحددة للشكل الفني. فلا يمكن أن تقتصر الرسوم التوضيحية المفصلة والمعقدة للوحات الفن الطلسمي الأثيوبية على الفن المخصص لدواعٍ استشفائية أو مجرد مواد طبية، رغم حقيقة أن معظم الدراسات الغربية تصنفه على هذا النحو. يعبر الفن الطلسمي عن تقليد فكري يركز على استكشاف الأفكار والمفاهيم النقدية لفهم قضايا ملتبسة تفوق البعد الطبي، كما يتناول موضوعات كبرى وإشكالية مثل التدهور البيئي والحروب والفقر.
لا يعني هذا أن الفن الطلسمي الأثيوبي لم يتأثر بـ "الطلاسم" (التمائم) البيزنطية أو الإسلامية التي صورها معرض ميرسييه ببراعة. ولكن، يجدر بنا أن ندرس هذا النوع الفني ضمن إطاره المرجعي الخاص، مع التركيز على طبيعته المعرفية، ومكانته في سياقه الثقافي والتاريخي الخاص، من أجل فهم أعمق لعلاقته بأنظمة المعرفة الأخرى وكيفية تأثيرها عليه.
من بين التساؤلات المهمة التي طرحها مرسييه حضر سؤاله عن العلاقة الأوسع بين الفن الطلسمي وأشكال الفن الأفريقي الأخرى، ودعوته إلى البحث عن أطر مفاهيمية تتجاوز المقاربات التاريخية للفنون التقليدية، إذ إنه من النادر البحث في ما إذا كان الفن الطلسمي مرتبطاً بأشكال فنية أخرى في القارة الأفريقية. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الأبحاث عن الفن الطلسمي الأثيوبي حديثة نسبياً، وفي كثير من الحالات تجرى من خلال شراكات مع خبراء دوليين مهتمين حصرياً بالجانب العلاجي للفن الطلسمي أو المؤسسات الفنية التي تركز على جماليات الصور.
يختلف تفسير الفن الطلسمي من فنان لآخر. لكن يظل هناك إجماع بين معظمهم بأن هذا النوع من الفن ليس مجرد صنعة عابرة، بل يتميز بقواعد وأنظمة خاصة يمكن للقلائل فقط فهمها وفك رموزها. وعلى الرغم من وجود فنانين استثنائيين استطاعوا فهم أعماق هذا الفن بمفردهم، إلا أن التقاليد المرتبطة به عادةً ما تنتقل عبر الأجيال، وغالباً ما يكون ذلك محصوراً في أفراد قادرين على حفظ وحماية الأسرار المرتبطة بالفن الطلسمي.
في الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية، يظل الفن الطلسمي مرتبطاً بشكل وثيق بشخصيات دينية معروفة باسم "ديبتراس". هؤلاء الـ"ديبتراس" ليسوا مجرد كهنة، مع أنهم استكملوا كل المتطلبات المعرفية والتعليمية ليكونوا كذلك، بالتوازي مع تبحرهم بالثقافة التي تتجاوز العقيدة المسيحية، وهذا ما يحول دون تأديتهم بعض الواجبات الكهنوتية مثل القداس والاعتراف. بالإضافة إلى ذلك، يعتبرون من المنجمين والنساخين والعرافين، ويشاركون في الأداء الموسيقي والرقص المرتبط بالخدمات الكنسية. هذا الارتباط العميق بين الـ"ديبتراس" والفن الطلسمي، لا يلغي حقيقة أن هناك فنانون آخرون يتقنون هذا النوع من الفن بمهارة عالية. لكن ما يجمع بين كل من يمارس الفن الطلسمي، سواء كانوا "ديبتراس" أو غيرهم، هو الحاجة لتدريب صارم يشمل المفاهيم الروحية والفلسفية، والقدرة على ترجمتها إلى إبداعات بصرية.
لا شك أن ممارسة الفن الطلسمي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة. وبينما يستمر الفنانون الذين تلقوا تعليمهم في "كلية آلي" للفنون الجميلة والتصميم بأديس أبابا في محاكاة الأنماط المتميزة لهذا الفن، إلا أن معظم أعمالهم يفتقر إلى العمق الروحي والمعرفي الذي يميز الفن الطلسمي التقليدي؛ جراء توجه الكلية نحو الحداثة الأوروبية في التعليم والإنتاج الفنيين. المؤكد هو أن التقاليد الفنية الأثيوبية الفريدة، وخصوصاً الفن الطلسمي، لا تزال في قلب ممارسات العديد من الفنانين، مع حقيقة افتقار الكثير من الأعمال الحديثة إلى النطاق والتعقيد الذي اتسمت به هذه التقاليد الفنية في الماضي.
لابد أن التوجه الأصولي الصاعد في الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية، والذي يعارض بحزم أي تفسير للإيمان المسيحي خارج نطاق العقيدة الأرثوذكسية، قد قوّض استكشاف وتطوير الفن الطلسمي. على الرغم من أن الفنانين الطلسميين يدّعون أن جذور الفن الطلسمي الأثيوبي تعود في البدايات إلى خلق الكون، وأن معظم الرموز في هذا الفن استولت عليها الكنيسة الأرثوذكسية، إلا أن الرسامين الطلسميين شهدوا تقليدياً علاقة مضطربة مع الكنيسة الأرثوذكسية. في بعض الأحيان كانوا في صراع مع الكنيسة التي اعتبرت العناصر الطبيعية والأرواح غير المسيحية وقواها غير المرئية في الفن الطلسمي بمثابة شكل من أشكال التحريف الديني. وفي فترات أخرى، سعت الكنيسة إلى الاستفادة من خبراتهم على نطاق واسع، خصوصاً في فك شيفرات النصوص المعقدة الموجودة في المخطوطات الأرثوذكسية، إذ يتمتع الفنانون الطلسميون بمعرفة غنية، وهو ما لا يمكن للكنيسة الأرثوذكسية إنكاره.
لا يعدّ الفنان الطلسمي هينوك ملكامزر من الـ"ديبتراس"؛ فقد ورث مهاراته الفنية من والده وجده. كما أنه لم يتلقَ أي تدريب رسمي كرسام ولم يلتحق قط بكلية الفنون الجميلة والتصميم. يقع الاستوديو الخاص به، والذي يقيم فيه أيضاً، في إنتوتو، بالقرب من كنيستي مريم وراجويل، وهو موقع يتميز بإطلالات خلابة على غابة مترامية من أشجار الكينا.
معظم تفسيراتي للفن الطلسمي وقاعدته المعرفية مستمدة من أعمال هينوك ووالده ملكامزر يهون. ورغم عملي مع هينوك لما يقرب من أربع سنوات، إلا أنني ما زلت أشعر بأنني بعيدة جداً من فهم التعقيد الكبير الذي يتسم به هذا الفن. في البداية، ينبغي للمرء أن يفهم الكتابة الجعزية التي اشتقت منها اللغة الأمهرية، فأنا أتحدث وأكتب بهذه الأخيرة، لكني لا أعرف كيف أقرأ الجعزية أو أفسر معانيها المتداولة والمتعددة. ثانياً، ظلت أسرار معاني الفن الطلسمي محمية بحرص شديد على مر الأجيال، ووحده هينوك فقط من استطاع الكشف لي عن بعض من المعرفة الأساسية التي يتمتع بها.
في المعرض الحالي، يقدم هينوك ملكامزر أعماله على قماش، رغم أنه في مناسبات نادرة يلجأ إلى استخدام الرق كوسيلة فنية، فهو يفضّل استخدامه لأنه يوفر متانة للألوان تفوق ما يمكن الحصول عليه عند استخدام القماش، رغم صعوبة العثور على الرق في الوقت الراهن. بالنسبة للوحاته الأخيرة، فقد انتقل من استخدام الإسوات - وهي صبغة مستخرجة من النباتات - إلى الأكريليك، حيث أن هذه المستخلصات النباتية، تتعرض – حسب قوله – إلى التلف بعد خمس أو ست سنوات.
يتجاوز كل عنصر في لوحات هينوك ملكامزر، وظيفته البصرية ليحمل معاني متعددة، مدعمة بتكوينات من العرائش المترامية، والكلمات والأرقام، كما أن ما يضفي على الأعمال طابعاً خاصاً هو استخدام سبعة ألوان أساسية، يمثل كل منها يوماً من أيام الأسبوع السبعة، وحرفاً من الحروف الصوتية السبعة في الكتابة الجعزية.
في لوحات هينوك، تبدو الخطوط متعددة الألوان قبل أن تنحسر وتظهر مجدداً، وفي كل مرة تتبدّى فيها، تتشكل كيانات وكأنها في صدد الانفجار. ولتظهر في الوقت نفسه، عيون في منتصف اللوحة، من دون أن تكون مجرد عناصر زخرفية، بل هي عيون تتحرى وتُراقب، معبرة عن فضول وشكل من أشكال الحراسة. يقول هينوك ملكامزر: "إنّ مفتاح قراءة الفن الطّلسمي هو البدء من المركز، حيث تنزاح العيون تدريجيّاً نحو الخارج، وتبدأ كلّ تعريشة بكلمة أو مفهوم روحي يجسّد العلاقة المضمرة بين اللون والشكل الأبجدي الخاص بلغة الطلسم ".
تُعدّ ممارسة الفن الطلسمي تجربة تستجيب للزمان والمكان ومتطلباتهما، ولا يُعتبر هذا الفن مجرد لوحات عابرة، بل يُمكن للفنانين أن يعتاشوا منه، حيث أنشأوا الأعمال الفنية لديمومة زمنية محددة، ولم تؤثر الطبيعة المؤقتة لها على قيمتها المادية. في حالة التمائم، كانت اللوحات تغطى بجلد واقي ثنائي، ليُعزز من ديمومتها.
أحد أسئلتي التي وجهتها إلى هينوك ووالده، ملكامزر، ركز على الطبيعة المؤقتة للفن الطلسمي ولماذا لا يرتبط إرث أثيوبيا العريق من اللوحات طويلة الأمد بلوحات الفن الطلسمي. وكان ردهما هو أن الكنائس تضع طبقات واقية مثل البخور المغلي على لوحاتها. في المقابل، يُحظر على الفنانين الطلسميين استخدام هذه الطبقات الواقية، وخاصة البخور، وينبع هذا الحظر من الاعتقاد بأن رائحة البخور قد تخلق ارتباطات دينية، ما يثير قلق الرعاة الذين هم من أتباع العقيدة الأرثوذكسية. في معظم الحالات، يخشى الراعي أن يصبح منافقاً لطلبه الخدمة من فنان طلسمي بدلاً عن الرب. هنا يصبح هدف الفنان ضمان الاهتمام الدائم لهؤلاء الرعاة مع مراعاة القيود الروحية والثقافية.
وكما أشرت في مكان آخر، فقد انخفض الاهتمام الجمالي أو العلاجي المحلي بالفن الطلسمي، خاصة في المناطق الحضرية. والحقيقة أن القيم والمعتقدات الأثيوبية التي لا تواكب نماذج الحداثة الأوروبية المركزية تجد نفسها مهمشة من جانب النخبة الحضرية التي تتكون من طبقة صاعدة من الأثرياء الجدد الذين يُشكلون جزءاً كبيراً من السوق الفنية. في تصورهم للفن الحديث، يتم تقييم الفن بمقاييس أوروبية، ما يقلل من قيمة الأشكال الفنية الأخرى بوصفها "روحية" أو "تقليدية"، وبالتالي يُبعدها عن التصنيفات الحداثية. لذا، تجد أعمال هينوك نفسها مُستبعدة من السوق الفنية المعاصرة وأبرز النقاشات الثقافية. ورغم وجود سوق فنية مُزدهِرة في أديس أبابا، إلا أن هينوك اليوم يواجه صعوبة مادية في العيش - مع فنانين معاصرين آخرين – من مردود أعماله الفنية، خصوصاً عندما يُعتبر فنه بمثابة مادة أثرية أو أنثروبولوجية بدلاً من الاعتراف به كفن معاصر، وهذا بحد ذاته يشكل تحدياً له.
وعليه، فإن هينوك يسعى إلى جذب اهتمام المؤسسات الفنية، وجامعي الأعمال الفنية، والخبراء الذين يمكنهم إعطاء القيمة المادية والثقافية للفن الطلسمي في إطار الحداثة الشكلانية. هذا النهج يهدف إلى تأكيد الأهمية الكبيرة لهذا النوع من الفن وكيف يمكن أن يكون جزءاً من المشروع الحداثي العالمي. سيسهم أيضاً هذا النوع من التدخل الذي يشهد انتقال الفن الطلسمي من مجرد موضوع إثنوغرافي إلى نقاش جمالي، ومن تعبير ديني إلى عمل فني، في خلق قيمة مادية لهذا الفن والحفاظ عليه؛ وسيعزز هذا من قدرة الفنانين على مواصلة إنتاجهم الفني على نحو مستدام.
كوتر، هولاند، "ليس للعرض فقط، بل للشفاء أيضاً" (نوت جاست فور فيوينغ، بات ألسو فور هيلينغ)، نيويورك تايمز (14 فبراير 1997).
إينوزور، أوكوي، "تضاريس الممارسة النقدية: المعارض كمكان وموقع" (توبوغرافيس أوف كريتيكال براكتيس: إكسهيبيشنز آز بليس آند سايت)، محاضرة رئيسة في سمبوزيوم التقييم الكاريبي والهوية الوطنية، الاجتماع العام السنوي 21 لجمعية المتاحف في منطقة البحر الكاريبي، 1ديسمبر 2009، بربادوس،
https://www.internationalcuratorsforum.org/wp-content/uploads/2022/07/Okwui-Enwezor-Topographies-of-Critical-Practice-Transcript-ICF.pdf (تم الوصول إليه في 26 يوليو 2023).
تيموثي ميتشل، محرر، أسئلة الحداثة (كويشنز أوف موديرنيتي) (مينيابوليس: مطبعة جامعة مينيسوتا، 2000)، 7.
أسد، طلال، "تكوين العلماني: المسيحية، الإسلام، الحداثة" (فورميشن أوف ذا سيكيولار: كريستيانيتي، إسلام، موديرنيتي) (ريدوود سيتي: مطبعة جامعة ستانفورد، 2003)، 13.
جاك ميرسييه، "الفن الذي يشفي: الصورة كعلاج في إثيوبيا" (آرت ذات هيلز: ذا إميج آز ميديسن إن إثيوبيا) (ميونخ: بريستيل؛ نيويورك: متحف الفن الأفريقي، 1997)، 60.